لا شك أن ظاهرة تزويج القاصرات بالمغرب أصبحت ظاهرة اجتماعية معقدة تفرض نفسها بقوة، وهي ظاهرة تتداخل فيها عوامل متعددة ثقافية واجتماعية واقتصادية وقانونية وسياسية، الأمر الذي أدى إلى إفراز مآسي اجتماعية ضحيتها الأولى الفتيات القاصرات، إذ أكدت أغلب الإحصائيات الرسمية وغير الرسمية أن نسبة %99.99 من هذا النوع من الزيجات يتعلق بالإناث مما يجعل منها ظاهرة مؤنثة بامتياز.
ورغم أن الأسباب الدافعة إلى تزويج القاصرات في المجتمع المغربي يتداخل فيها ما هو ثقافي واقتصادي واجتماعي إلا أن الوضع التشريعي الحالي يوفر بشكل كبير الأجواء المناسبة لشرعنة وجود الظاهرة واستمراريتها خاصة أمام قصور مقتضيات مدونة الأسرة التي لم تستطع الإبقاء على الوضع الاستثنائي لهذه الظاهرة وفقا للغاية التي كان يتوخّاها واضعي مدونة الأسرة.
ذلك لأنه بالرجوع لمقتضيات المادة 20 من مدونة الأسرة سيبدو من خلال ظاهر النص أن الأصل في سن أهلية الزواج محدد في 18 سنة، وبشكل استثنائي يمكن السماح بالزواج ما دون هذا السن بإذن من القاضي. إلا أن الواقع العملي الذي أفرزه 14 سنة من تطبيق مدونة الأسرة أبان عن كون ما اعتبر استثناء أصبح يشكل الأصل ولم تعد الصيغة الواردة في المادة المذكورة تستطيع الحد من طلبات تزويج القاصرات التي تعرف ارتفاعا كبيرا في مختلف محاكم البلاد. وهي الطلبات التي يتم الاستجابة لأغلبها من طرف القضاء بحكم هامش السلطة التقديرية الممنوحة للقاضي وتحصين قراره من أي طعن مما يتضح معه وجود إرادة قانونية للتماهي مع وضعية التزويج وليس وضعية الحد والمنع.
ويشكل تزويج القاصرات عنوانا بارزا لخرق الحقوق الإنسانية للطفلات لأن هذا الزواج يساهم في حرمانهن من حق النمو الطبيعي وحقهن في اللعب والتمدرس والتنشئة داخل مجتمع عائلي ملائم.
كما أن مؤسسة الزواج وما يترتب عنها من التزامات ومسؤوليات جسيمة على عاتق طرفيه لا يستوعبها طفل يحتاج بدوره للحماية.
انطلاقا من هذا الوضع وأمام فشل وقصور المقاربات التوعية في الحد من هذه الظاهرة أصبح التدخل التشريعي ضرورة ملحة واستعجالية من أجل وضع نصوص قانونية واضحة للحد من هذه الظاهرة وإعادة التوازن الطبيعي لمؤسسة الزواج.